google.com, pub-5848902380923633, DIRECT, f08c47fec0942fa0 قصص وحكايات : رواية الانسية التي تزوجت جني "قصة عشتار وجلجامش" كاملة الحلقة الثالثة

رواية الانسية التي تزوجت جني "قصة عشتار وجلجامش" كاملة الحلقة الثالثة

 بعد ان حسمت عشتار أمرها للذهاب بالنسر الجريح لأرض الجن لإنقاذ حياته، دخلت في نفق سري تحت شجرة تفاح قديمة في منزلها أدت بها إلى شاطئ مجهول وكان الوقت فجراً التقت فيه بجني عجوز يسمى الشق قام بإعارتها قارباً مقابل لعقةٍ من العسل ونصحها بالتجديف حتى تصل لضبابٍ سيأخذها لغايتها المنشودة

بعد تعب شديد زاد الضباب ملتفاً حولها حتى لم تعد ترى أي شيء وزادت البرودة وأحست بالنعاس فانسل المجداف من يدها شيئاً فشيئاً واحتضنت زوجه متمسكتاً بدفئه جيداً ووصل مستوى الماء مايقارب ثلث القارب وغدت تغفو من التعب والخوف والحزن وإذا بضربةٍ شديدةٍ في ظهر القارب أفزعتها هلعاً وكادت أن تقلب القارب أخذا القارب يتأرجح تأرجحاً شديداً امسكت بالنسر وتوسطت القارب وهي ترتجف ذعراً باكية



احتضنت زوجها بشدة وهي تدعو ان تتجاوز هذه المحنة سكن القارب أخيراً وسكن روعها أيضا وقالت مطمئنتاً نفسها قد تكون صخرةً ضربة ظهر القارب اذ انني لااستطيع تخمين عمق هذا البحر أطلت برأسها من حافة القارب محاولةً قياس العمق وإذا بضربةٍ اخرى اقوى من الاولى انفلت النسر من يديها و سقطت خارج القارب في عمق البحر

سكن كل شيء والتف البرد بجسمها من كل جانب أغمضت عينيها مستسلمة لاتريد ان ترى هذا المجهول أخذت تنزل في الاعماق يداها ممدودة ورجلاها ملتفتان واحدة حول الاخرى لقد يئست من المحاولة لكن فجأة ظهر زوجها في مخيلتها قائلاً عشتار.. لاتستسلمي لقد اقتربتي من الوصول ساعديني

تذكرت زوجها الذي كان ملقاً في قعر القارب ففتحت عيناها و إذا بمخلوقٍ مفزع كان واقفا امام وجهها بسكون

أصيبت بفزع شديد ولاشعورياً ارتدت للخلف ضاربتاً اياها برجلها التي اصابت حلقه

أخذت تسبح للاعلى بسرعة لا أصعب من الموت غرقاً في البحر خوفاً

كانت كلما اقتربت من السطح تزيد سرعتها تسبح وتسبح ودموع عيناها الدافئة تمتزج ببرودة الماء فتضفي قشعريرةً حول عينيها مع اختلاط ملوحة الماء بملوحة دمعها فجأةً وإذا بيدٌ أمسكت برجلها تسحبها للاعماق لم ترد النظر لتلك اليد فقط أخذت تعفر في عمق البحر وهي تهز رأسها بالنفي باكية ووجهت رفسةً الى شيءٍ بدا انه رأس افلتتها تلك اليد اخيرا واخذت تعلو سباحة بسرعة فقد اوشك نفسها ان ينقطع وكانت على يقين انه ان امسك بها مرةً اخرى ستكون النهاية

وصلت للسطح أخيراً آخذةً نفساً لم تأخذ مثله في حياتها كانت بقرب حافة القارب الذي كان مستوى الماء قد وصل فيه فوق النصف وخرج ذلك الوحش قرب الحافة الاخرى

كان هذا هو “الدلهاب” فصيلة من الجن تسكن البحر صورته إنسان بدون ملامح فقط وجه اخضر بدون عينين ولا انف له فم كبير واسنانٌ كأسنان قرش جلده كصخر البحر يتعرض للمراكب ويقذف أهلها في البحر

حين رأته يسبح مقترباً اليها فزعة وقفزة ممسكتاً بطرف القارب الى ان استقرت في بطن القارب أخيرا والقت بنفسها جانب نسرها

ياللهول أخيرا عدت للقارب الحمدلله رفعت نسرها بسرعة عن الماء الحمدلله مازال ينبض وجسمه دافئ

احتضنته لصدرها وامسكت بالمجداف وعادت تخرج الماء بسرعة إذ لايوجد وقت للتنفس

كما أن الدلهاب عاد يضرب القارب ايضاً محاولاً رميها مرة اخرى مماساعد في اخراج الماء من القارب سريعاً اخيراً عاد مستوى الماء في القارب تحت الثلث ولكنه مازال يتأرجح

أدركت أنه لولا ثقل الماء الموجود في قعر القارب لكان انقلب بسهولةٍ من اول مرة لقد فهمت الآن فقط لما قام ذلك الجني “الشق” بثقب القارب تذكرته بامتنان لتوها فهمت مقصده من ثقب القارب اذ كانت حانقةٍ عليه من قبل كان يعلم ان الدلهاب سيهاجمها لاشك ألهذا خيرها بين القوارب الثلاثة ياترى، ماذا كان سيحدث لو اختارت أحد القاربين الأحمران هل اللون الأحمر سيجذب جناً آخرين أم هل يصعب خرق القارب ذو اللون الأحمر؟ لا أدري كل ماعرفه انه ساعدني نوعاً ما

استعاد القارب توازنه أخيراً وعم السكون من جديد إلا انها كانت تحس ان الدلهاب لن يستسلم بسهولة وانه لاشك يريد مفاجأتها ليلقيها مرةً اخرى

كانت تترقب بحذرٍ شديد لدرجة انها نسيت ان تبكي لامكان للبكاء هاهنا يجب ان اتشجع لم اصل هنا حتى اكون فريسةً لهذا الجني الاعمى ان كان يريد القتال ساقاتله حتى اخر رمق لن اغلق عيني بعد الآن ولن أيأس إن كنت سأموت فإني سأموت بشرف الدفاع عن زوجي وعائلتي

لكن ترى اين ذهب هل استسلم؟ اتمنى ان يكون قد قطع الأمل من قلب القارب سأحافظ على مستوى الماء فوق الثلث لا أكثر ولا أقل

كان شكها في محله إذ أن الدلهاب قد يأس من محاولة قلب القارب نظراً لصغر حجمه لكنه هذه المرة قفز جالساً القرفصاء على حافة القارب بسكون

“يا إلهي لقد صعد على القارب ماذا علي أن افعل”

نزل الدلهاب على اربع واتجه اليها بسرعة ارجعت يداها للخلف وهوت بالمجداف على رأسه تريد ضربه به الا انه التقمه بفمه وقام بنهش المجداف وتهشيمه

وقفز فوقها حتى سقط النسر تحت قدميها

طوق الدلهاب رقبة عشتار بكلتا يديه وغمر رأسها في قعر القارب يخنقها داخل الماء وهي تنتفض تحته بضعف كان فوق الماء اقوى من تحته اخذت ترفس برجليها كانت تظن انها ترفس الدلهاب ولكنها كانت ترفس النسر ومع الرفس المتواصل انفكت الخرقة التي كانت قد لفت بها جرحه فسالت قطرةٌ من الدم في ماء القارب وفجأةً حدث شيء غريب انتشرت قطرة الدم في ماء القارب سريعاً وماهي الا لحظات واذا بالدلهاب قد افلت رقبة عشتار واخذ ينتفض وهو يصرخ صرخةً مفزعةً حتى تيبس مكانه

اخذت عشتار تلتقط انفاسها باكيةً وهي تنظر لهذا الوحش المرعب وهو متحنطٌ فاتحاً فمه بحزن

رفسته برجلها ملقيتاً به خارج القارب واخذ جسمه يطفو ويتبخر حتى ذاب على سطح البحركالزبد

امسكت زوجها بشدة وهي تبكي بحرقة كالأطفال وخبأت رأسها في صدره

لم تكن هناك كلمات تعبر بها ن امتنانها علاوة على ذلك لم يكن باستطاعته سماعها لكن ماكان منها الا ان رفعت رأسها وشكرت الله

أخيراً بدأ الضباب بالانقشاع تدريجياً وكأن الشمس قد بدت تشرق الى أن اختفى الضباب تماما وتوقف القارب نظرت الى المجداف المهشم والماء الذي كان قد غمر القارب تماماً فحملت النسر فوق رقبتها واخذت تحاول اخراج الماء بكلتا يديها ولكن دون جدوى

الى أن بدأ القارب ينغمر في البحر ولكنها لم تغرق

كانت واقفةً والماء يصل ذقنها

“الحمدلله يبدو انني اقتربت من الشاطئ في الوقت المناسب”

رفعت النسر بكلتا يديها واخذت تمشي شيئاً فشيئاً كان ينخفض مستوى الماء وهي تزيد من سرعتها فرحة

الى ان وصلت لليابسة اخيراً

ارتمت على الارض تقبلها وتحضنها وتحمد الله وتشكره

ظنت انها وصلت لغايتها المنشودة ولكنها حين نظرت حولها متفحصةً المكان لم تجد سوى صحراء شاسعة قاحلة

استجمعت قواها واحتضنت النسر ونهضت تمشي كانت تعرج قليلاً مع ألمٍ في كتفها الأيمن ووجعٍ بظهرها لكن كل هذا لم يثنيها فلقد قطعت الجزء الأصعب كما كانت تظن

كلما أشرقت الشمس أكثر أحست بحرارةٍ أكثر وهي لاتكفأ تمشي وتمشي ولم تكن تكترث بحرارة الشمس لكنها كانت عطشى لم تحس بالعطش إلا حين وجدت نفسها في هذه الصحراء حتى تنسى العطش والتعب اخذت تفكر ببنتيها وما مصيرهما هل عادتا لارض الجن بسلام ام لا ونزلت دمعةٌ من عينيها

في هذه الاثناء كان عيقم ملك قبيلة الجن المعادية لقبيلة جلجامش في قصره جالسٌ على عرشه مجتمعاً بوزراءه حين دخل عليهم طنطل (الجني الذي تشكل بكلب وتعارك مع جلجامش وهو ابن عيقم وهو قائد الجيش)

عيقل: لقد ارسلتك لتأتيني بزوجة جلجامش الإنسية وكانت المهمة جداً سهلة إذ هي خلعت الخاتم الذي يحرسها فماذا حدث

طنطل: كدت أن أظفر بها ولكن تدخل جلجامش وتعاركنا

عيقم: وماذا كانت نتيجة المعركة هل قتلته؟

طنطل: لا ولكني تغلبت عليه وكدت ان اخطف عشتار ولكن حدث ماهو ليس بالحسبان، إن هذه المرأة ساحرة

أجاب أحد الوزراء: لم يسجل اسمها في سجل السحرة قط

طنطل: لا اعلم ماحل بي حين نظرت عينيها اصبت بقشعريرة وخارت جميع قواي حتى خلت اني اموت

ضحك رئيس الوزراء وكان اسمه سامد ذو لحية بيضاء كثيفة وهو من اذكى الجن يتصف بالذكاء والحكمة والمعرفة وقال: انه سحر العشق

عيقم: ماذا!!! هل عشقت تلك الإنسية انت ايضا ان هذا لإفك عظيم

طنطل: لا لم اعشقها ولكن حين نظرت عيناها.. وسكت طنطل قاطباً

عيقم: ماخبر هذه البنت ياسامد؟

سامد: انها مشيئة القدر، سوء اعمالنا ارتد علينا

عيقم: ماتقصد؟

سامد: حدث قبل اربعين سنة قصة في عالم الإنس تخص هذه الفتاة بل بالاصح تخص امها جمال العين كان لأمها ليس لها، حين كانت طفلة لم يولد في زمانهم مثلها وكان لهم جارةٌ ابنتها بها حول وكانت تحسد هذه البنت فقامت بعمل سحر لها وذهبت بنظرها مستعينةً بماردةٍ عظيمة

عيقم: تباً لكيد النساء وحسدهن.. وماذا بعد؟؟

سامد: كبرت هذه الفتاة العمياء وتزوجت ورزقت بعشتار وفي الليلة التي ولدت فيها عشتار ماتت امها، بعد زمن بسيط تابت تلك الماردة وكانت تهم بإعادة بصر ام عشتار فحين وجدتها قضت نحبها احست بالذنب فوضعت سحر عيني الام في ابنتها لكنها ظلت تأنب نفسها فوهبت قوتها في عينين هذه الفتاة فامتزج جمال عيني امها بقوة الماردة في عيني عشتار واصبحت بحسب الظاهر ما ان تلقي بصرها على جني حتى تسلب قلبه وعقله

عيقم: لهذا إذن عشقها جلجامش

سامد: وطنطلٌ ايضا بحسب الظاهر

طنطل: لم اعشقها قلت لك ان قواي قد خارت فقط لسبب لا اعلمه

عيقم: وهل سحر عينيها نافذ على الجن فقط؟

سامد: إن لم يخب ظني فسحرها نافذ على رجال الجن فقط دون النساء

عيقم: لماذا لم تخبرني بهذا من قبل

سامد: كنت أظن ان هذه الفتنة عونٌ لنا وليس علينا لكن في الوقت الذي ذهب طنطل لخطفها كنت في جزيرة السلاحف ابطل سحر الخاتم الذي كان يحرسها ولكني لم استطع ايضا فالخاتم يستمد قوته من قوة جلجامش نفسه ولإبطال سحره لابد من قتل جلجامش، وهو من عشقه لها يفديها بحياته

عيقم: وماذا عن ابنتيها النصف جنيتان هل ورثتا عن امهما سحر عينيها

سامد: لا اعتقد بحسب جواسيسنا في مملكة جلجامش لم يظهر عليهما حتى الآن سوى بعض قوى الجن ولكن هذه القوى مع ضعفها تزداد مع الزمن شيئاً فشيئاً

عيقم: مالعمل الآن وقد اقتربنا من النصر تظهر لنا هذه الفتاة من اللامكان لتسلب قلب وريث عرشي لابد من قتلها

طنطل: إن سمح لي مولاي أن اثبت له اني كفؤ بورث عرشه وآتي له برأسها

عيقم: وهل تأمن على نفسك من سحر عينيها لو رأيتها مرةً اخرى لا أظن

طنطل: إن لم استطع كبح جماح قلبي فلا استحق ان اخلفك في مملكتك انا لست جلجامش لن اعشق إنسية يا أبي اعطني الفرصة لأثبت لك وللجميع ما أقول

عيقم: هل تعي ما أنت مقبل عليه حتى تستطيع قتل هذه الفتاة لابد من قتل جلجامش لتبطل سحر الخاتم ولقتل جلجامش لابد من هزم جيشه

طنطل: لن اعدم الوسيلة فقط اعطني الفرصة

عيقم: لك هذا ولكن حذار إن عشقتها لن احرمك من العرش فقط بل سأنفيك من مملكتي للابد

طنطل: حسنا

خارت جميع قوى عشتار من المشي تحت شمس الصحراء المحرقة وكان الظمأ قد أحرق جوفها لكن وسط هذا الحر الشديد لاحظت أن جرح النسر قد بدأ يلتأم شيئاً فشيئاً وهذا ما اعطاها املاً في الاستمرار الا انها غدت تمشي بمعدل خطوة في الثانية من شدة التعب
توقفت فجأة تنظر يمنةً ويسرة ماتدري عما تبحث فقط لتلتقط انفاسها وحين اعادت نظرها للأمام لاحظت شيئاً من بعيد بدا وكأنه شجرة
“إن كانت توجد شجرة حقاً فلابد من وجود الماء”
وجود خيال شجرةٍ من بعيد اعطاها قليلاً من الأمل فغدت تشد الخطى
” ما أظنها إلا سراباً ولكن ليس لدي أمل غير هذا السراب سأتبعه أما أن أصل للماء أو أن أكون تقدمت لمبتغاي”
كلما كانت تمشي كانت الشجرة تكبر والمسافة بين خطوات رجلاها تكبر وسرعتها تزيد
أخيراً وصلت للشجرة وأخذت تبكي من الفرح من غير دموع حين وجدت بئراً بجانب تلك الشجرة
” الشكر لك يارب أرجو أن يكون به ماء”
اقتربت من البئر وسحبت الحبل المعلق به إلى ان اخرجت دلواً مليئاً بماء عذب
” يالله الشكر لك”
كادت ان تشرب ولكنها تذكرت حبيبها
” لابد انه عطشان مثلي ترى هل يستطيع ان يشرب؟”
قربت الماء من منقاره لكنه لم يشرب فقامت بفتح منقاره قليلاً ولكنه لم يشرب ايضاً فما كان منها إلا ان وضعت قليلاً من الماء لتبل لسانه به عل هذه القطرات تصل جوفه
كررت هذه العملية عدت مرات إلى أن اطمأنت انها ادخلت قليلاً من الماء في جوفه ثم جلست مستندة على الشجرة واخذت تشرب بنهمٍ شديد
كان الماء بارداً جداً لدرجة انها شربت الدلو كاملاً من حلاوته
” الحمدلله ما ألذ هذا الماء، مسكينٌ من مات عطشاناً في حر صحراء”
بعد ان استعادت نشاطها وحيويتها همت بالنهوض لملأ الدلو مرةً اخرى لتحمله معها في مسيرتها وحين كانت تسحبه سمعت صرخةً مفزعة من شدة الفزع سقط الدلو من يدها في البئر
نظرت وراءها باتجاه الصوت لتجد أن الشجرة قد بدأت تتحول لعجوز شمطاء مخيفة ذات شعر طويلٍ جداً كان المنظر جداً مفزع
ارتعدت فرائصها واصيبت برجفةٍ شديدة ولكنها اسرعت لحمل نسرها وانطلقت هاربة
سمعت صوتاً من ورائها وهي تركض
“كيف تجرأين”
“كيف تجرأين”
أخذت تركض وهي ترتعد خوفاً ولكن دون جدوى فقد أحاط بها شعر ابيض يابس كأنه كان يركض معها التف حول رجليها وأسقطها أرضا حتى انفلت النسر من يديها وسحبها ذاك الشعر الى ان اعادها لتلك العجوز
كانت تلك هي “السعلاة” فصيلةٌ من الجن تسكن القفار والصحاري على هيئة امرأة عجوز ذات شعر ابيض طويل يابس وفمٍ دون أسنان فقط نابان طويلان وعينان مخيفتان كعينا أفعى تقتل الانسان خنقا وتأكله
طوقت يداها ورجلاها وبطنها ورقبتها وعشتار ترتجف خوفاً وقد أيقنت أنه لاسبيل للفرار أو القتال هذه المرة
صرخت السعلاة: كيف تجرأين
تشربين من مائي دونما استئذان
تسرقين دلوي
وتهربين دون اعتذار
قد جنيتي على نفسك ايتها الإنسية الحقيرة
ورفعتها عاليا ورطمت بها الارض بشدة
اصيبت عشتار بدوار في رأسها مع ألمٍ شديد ونهضت بصعوبة وهي تترنح
فطوقتها السعلاة مرةً اخرى ورفعتها مقربةً إياها
عشتار وهي ترتعد: أرجوك سامحيني قد كنت عطشى وكدت أموت ولم أعلم أن هذا البئر يخص أحداً
السعلاة: ستموتين الآن ولكن علي أن اتأكد ان موتك سيكون مصحوباً بألمٍ شديد هذا جزاء من يتجرأ على مائي
عشتار: الرحمة أرجوك لم أكن أعلم أن هذا ماؤك سامحيني أرجوك أنا آسفة
السعلاة: لااااااا
لاينفع الندم الآن ستدفعين حياتك ثمناً لحماقتك وجرأتك
وأخذت تخنقها
السعلاة: إن كان مائي قد روى عطشك فجسمك النحيل سيسكن جوعي
واخذتها تخنقها بشدة حتى كادت عشتار ان تموت
عشتار: أرجوك اتركيني أعيش أنا أمٌ لطفلتان ولدي زوجٌ مريض
ضحكت السعلاة ضحكاً شديداً وقالت: هل تظنين أني سأرثي لحالك .. يالك من غبية
عشتار: أرجوك ان كان هناك ما استطيع عمله للتكفير عن خطأي فأنا مستعدة ولكن لاتقتليني أرجوك
السعلاة: ليس لديك شيء يمكن أن استفيد منه سوى ان تكوني وجبة غدائي هه
عشتار: سأطعمك إن تركتيني أعيش متى ماحضرتي لعالم الإنس سأعطيك كل مالذ وطاب كل يوم سأكون لك خادمة
السعلاة: لا أريد طعامك أو خدمتك لكن إن كنت تريدين الحياة سأتركك تعيشين بشرط واحد
أنزلتها على الأرض أخيراً
أخذت عشتار تلتقط أنفاسها واضعةً يديها على حلقها من الألم وأحست بقليل من الأمل
عشتار: أشكرك أيتها المرأة الطيبة سمي شرطك وسأنفذه مهما كلفني الأمر
السعلاة: هل انت متأكدة؟؟
عشتار: نعم بالطبع سمي ماشئت فقط اتركيني اعيش
السعلاة: لا أظن أنك ستوافقين على شرطي من الافضل ان آكلك
عشتار: لا لا أرجوك لقد وافقت على شرطك قبل ان اسمعه فقط سمي ماشئت
السعلاة: هل هذا وعد؟؟
عشتار: نعم أعدك أن أنفذ ماتطلبيني أرجوك أخبريني بشرطك
السعلاة: حسناً مادمتي قد قطعتي وعداً سأعلمك بطلبي ومبتغاي لكن أحذرك إن اخلفتي بهذا الوعد لن يستطيع أحدٌ من الإنس أوالجن مساعدتك سنلتزم بالاتفاق نحن الاثنتان ولن تتجرأ إحدانا على النكث به
احتارت عشتار ولكن بحسب الظاهر لايوجد لديها خيارٌ آخر عدا الموافقة فأي شيء سوى الموت
عشتار: حسناً أعدك
السعلاة: جميل جداً
طلبي وشرطي ومبتغاي أن أشاركك في زوجك
انصعقت عشتار من طلب هذه الجنية
إلا أن السعلاة اردفت: في كل شهر عند اكتمال القمر اتلبسك واشاركك زوجك ليلةً واحدةً فقط
انتم معشر نساء البشر دائماً تقولون أن الموت أهون لديكن من أن تتشاركين زوجك مع أحدهم فهل تفضلين المشاركة أو الموت الآن قرري وتذكري أنك وافقت وعاهدتيني ولن يستطيع أحدٌ من الإنس أو الجن التدخل في هذا الاتفاق ومساعدتك .. ماتقولين؟؟
اخذت عشتار تفكر بحرقة واخذت تحدث نفسها
” لا أريد أن يشاركني أحدٌ في زوجي ويستحيل أن أشارك هذه الجنية الشمطاء ولكن مالعمل ليس هناك حيلة أما أن أوافق أو أموت”
ونزلت دمعةُ حرقةٍ من عينيها ما إنه لابتزازٌ صعب
السعلاة: تبا لك أيتها الإنسية هل توافقي أو تموتي هيا بسرعة
حين سمعت عشتار هذه الكلمات لمعت فكرةٌ في عقلها إن نجحت ستكون قد نجت بحياتها وتخلصت من هذه العجوز للأبد
عشتار: حسناً.. أوافق على أن أشاركك في زوجي ” الإنسي” للأبد مرةً في كل شهر تتلبسيني وهذا بيني وبينك لن يعلم أحدٌ به
ولايحق لإحدانا الإخلال بهذا الشرط
السعلاة بفرح شديد: كرري ماقلتي ثلاث مرات
كررت عشتار ماقالت ثلاث مرات ونظرت للسعلاة التي كانت فرحةً جداً بانتصارها
السعلاة: حسناً لقد تم الأمر، لقد شاركتك في زوجك الإنسي للأبد اذهبي الآن وحين اكتمال القمر من كل شهر سأجدك أينما كنت
عشتار: حسناً ياشريكتي الوداع الآن لكن هل يمكنني استعارة قليلاً من الماء لأروي عطشي
السعلاة: خذي هذه القارورة ستعينك في سفرك
عشتار: أشكرك
السعلاة: اغربي عن وجهي الآن وتذكري موعدنا عند اكتمال القمر اتلبسك واشاركك في زوجك
مشت عشتار وهي تهم الخطا بسرور ونصف ابتسامة ونشوة انتصار، لم يخطر ببالها أن تخدع جني من قبل وصلت للنسر وحملته على عنقها واكملت مسيرها حتى ابتعدت واختفت عن السعلاة
في هذه الأثناء دخل كبير الوزراء سامد على الملك عيقم الذي كان جالساً وحده بعد الاجتماع
عيقم: مايشغل بالك؟
سامد: مايشغل بالك
عيقم: هل تعتقد أنه يستطيع مجابهة تلك العينين مرةً أخرى؟
سامد: عندي اقتراح إن سمح لي مولاي
عيقم: تفضل ياصديقي
سامد: إنه ابنك وولي عهدك وقائد جيشك اعتقد أنه من المخاطرة وضعه في اختبار كهذا
عيقم: أنت تعرف طنطل عنيد جداً ولن يتنازل عن مطلبه سيقحم نفسه في اختبارٍ هو مهلكه
سامد: لهذا جئتك يامولاي. ماذا لو جعلنا إحدى الجنيات تتشكل على صورة عشتار ونجعله يقتلها بهذا نكون قد عززنا ثقته بنفسه وأنه أثبت كفاءته والأهم من ذلك نوهمه أنه تغلب على عشقها ونحن بدورنا نقوم بقتل عشتار
عيقم: كيف ستقتلها والخاتم
سامد: في الوقت الذي سنشن في هجمتنا سأضع جائزةً لمن يأتيني برأسها له نصف ما أملك وسأرسل لها أكثر من جني لتحتد المنافسة فحين تخور قوى جلجامش في المعركة عندها نعطيهم الإشارة بالهجوم على عشتار وقتلها وبهذا نقوم بتشيت قوة جلجامش واضعافه أكثر ليتسنى لنا التغلب عليه بسهولة، يقتلوها دون أن ينظروا في عينيها و علينا أن نعد العدة لهذه المعركة يجب أن تكون قاضية
عيقم: يالك من صديق وفي أتهب نصف ثروتك فداء لي
سامد: أهب حياتي فداء لك مولاي
عيقم: لكن ماذا لو فشلت الخطة سيكون تأثيرها سلبي على طنطل لاشك، أعني فيما لو قام طنطل بقتل عشتار المزيفة وفشلت خطتك في قتل عشتار الحقيقية واكتشف طنطل أنها ماتزال على قيد الحياة
سامد: لاضير في ذلك، إذ أنه يعتقدها ساحرة
عيقم: الحق ماتقول
بعد عناءٍ طويل في حر الصحراء وصلت عشتار أخيراً لوادٍ به عدة شجيرات لكن لايوجد ماء هنا إذ كانت الأشجار يابسة وسكونٌ غريب يحف بالوادي
أخذت تمشي بحذرٍ وخوفٍ وترقب المجهول إذ أنها أيقنت أنه لابد من وجود تحدٍ جديد هذه المرة
أخذت تبكي من الخوف وتقول” متى سأصل أرض الجن المزعومة لقد خارت قواي وعقلي لم يعد بإمكانه الصمود أمام جنيٍ آخر
ياترى هل أنا على الطريق الصحيح وهل توجد أرضٌ للجن أصلاً”
فجأة سمعت صوت رفرفةٍ تبعه صوتٌ يستنجد
“ساعدوني النجدة أنقذوني من هذا الشرير”
أخذت تبحث عن الصوت ولكن لم تجد شيئاً
هذا ماكان ينقصها إنقاذ أحدٍ ما
هي نفسها تحتاج من ينقذها
ظنت انها تهيآت أو قد تكون خدعةً ما فأخذت تشد الخطى إلى أصبح الصوت أقوى من ذي قبل
“اتركني ايها المتوحش”
نظرت تحت شجرةٍ قريبة وكانت المفاجأة
وطواطٌ صغير يعض على جناح فراشةٍ وهي تستغيث
كادت عشتار ان تهرب عنهم بعيداً لكنها أشفقت على الفراشة وتذكرت ماحل بها
” إن هذه الفراشة تمر بنفس مامررت به مذ دخلت هذه الأرض المرعبة لابد أن أنقذها من براثن هذا الوطواط الشرير”
فحملت حجراً صغيراً وألقته بجانب الوطواط محاولةً إخافته
“اتركها ايها الشرير”
بسرعة ترك الوطواط الفراشة التي ولت هاربةً بسرعة أما الوطواط كان فقد اعتلى الشجرة بسرعة واختبأ وراء غصن صغير مخبأً رأسه فقط أما جسمه فكان واضحاً جلياً
وقفت عشتار أمام هذا المشهد لاتدري ماتفعل
ثم همت بالانصراف
ما إن مشت قليلاً حتى سمعت الوطواط يناديها
“هاي أنت”
التفتت له مرةً أخرى فخبأ رأسه بسرعة
قالت عشتار بحذر: ماذا تريد؟
نظر إليها الوطواط باستغراب هذه المرة وقال: هل تستطين رؤيتي
عشتار بقلق: نعم
الوطواط باستغراب: وتسطيعين سماعي أيضاً إن هذا لعجب عجاب
أحست عشتار بالطمأنينة لسبب ما بدا أن هذا الوطواط به ظرافة استشعرتها من صوته المضحك
اقتربت عشتار قليلاً وقالت: وفيم العجب ايها الجني الصغير
الوطواط: إن كان بإمكانك رؤيتي وسماع صوتي فأنت لست بجنية
عشتار: أنا من بني البشر
الوطواط: البشر!!
يعني انت من الإنس وليس من الجن وماذا تفعلين هنا
عشتار: إنها قصة طويلة أيها الجني الصغير
الوطواط: أنا لست صغيراً ولست جنياً أيضاً
أنا استطيع إخافة أكبر جني في الدنيا
ضحكت عشتار
الوطواط: ألا تصدقينني أنتم بنو البشر تستخفون بكل ماهو أصغر منكم وتخافون من كل ماهو أكبر منكم
عشتار: آسفة أيها الوطواط الجميل ولكني لم اضحك منذ زمن
الوطواط: أنا لست جميلاً أنا أكره الجمال
عشتار: ما أنت إذاً لقد أثرت فضولي
الوطواط: أنا كابوس جني مخولٌ بإيحاء الأحلام المزعجة والمخيفة في نفوس الجن وهم نيام وتلك الفراشة هي الحلم الجميل لقد كنا نتنافس حتى نصل لجنيٍ نائم لكنك أفزعتني وجعلتي الفراشة تهرب وتظفر بذلك الجني سحقاً
عشتار: وهل تحلم الجن؟
الوطواط: بوجودنا نعم نحن نبث الأحلام في عقولهم النائمة نتغذى على حزنهم وفزعهم ودموعهم والفراش يتغذى على فرحهم وسعادتهم وضحكهم
عشتار: ياللعجب
الوطواط: العجب إني لأول مرة أعرف أن بإمكان بنو البشر رؤيتنا فالجن لايستطيعون رؤيتنا
الأحلام لاترى بل تُحس حتى أنتم بنو البشر حين تنامون تحسون بالأحلام لكن لاتستطيعون رؤيتها
قالت عشتار بمكر: ولكني حين أنام أشاهد أحلامي
الوطواط: كيف تشاهدينها وعيناك مغلقةٌ أيتها الماكرة
ضحكت عشتار وقالت: أنت ظريف جداً ما رأيك أن تصحبني
الوطواط: لا استطيع فأنا جائع سأبحث لي عن جني أفزعه بكابوسٍ حتى أشبع
عشتار: ماذا لو بكيت أمامك أو أُصبت بحزن هل تشبع؟
الوطواط: امممم لم اتغذى على حزنٍ إنسي من قبل لكن لاضير من التجربة فأنت جميلةٌ جداً وكلما زاد الجمال كان حزنه ألذ وأفضل
عشتار: هههههه أنت ظريف جداً أرجوك اصحبني وسأشبعك حزناً فقصتي قادرةٌ لاشك على إشباع كابوس جني
الوطواط: حسناً ولكن بشرط
عشتار: ماهو؟
الوطواط: أن تسميني الكابوس المرعب العظيم
عشتار: هههههه لا سأدعوك كابوس فقط مارأيك
الوطواط: حسناً


 بعد ان حسمت عشتار أمرها للذهاب بالنسر الجريح لأرض الجن لإنقاذ حياته، دخلت في نفق سري تحت شجرة تفاح قديمة في منزلها أدت بها إلى شاطئ مجهول وكان الوقت فجراً التقت فيه بجني عجوز يسمى الشق قام بإعارتها قارباً مقابل لعقةٍ من العسل ونصحها بالتجديف حتى تصل لضبابٍ سيأخذها لغايتها المنشودة

بعد تعب شديد زاد الضباب ملتفاً حولها حتى لم تعد ترى أي شيء وزادت البرودة وأحست بالنعاس فانسل المجداف من يدها شيئاً فشيئاً واحتضنت زوجه متمسكتاً بدفئه جيداً ووصل مستوى الماء مايقارب ثلث القارب وغدت تغفو من التعب والخوف والحزن وإذا بضربةٍ شديدةٍ في ظهر القارب أفزعتها هلعاً وكادت أن تقلب القارب أخذا القارب يتأرجح تأرجحاً شديداً امسكت بالنسر وتوسطت القارب وهي ترتجف ذعراً باكية



احتضنت زوجها بشدة وهي تدعو ان تتجاوز هذه المحنة سكن القارب أخيراً وسكن روعها أيضا وقالت مطمئنتاً نفسها قد تكون صخرةً ضربة ظهر القارب اذ انني لااستطيع تخمين عمق هذا البحر أطلت برأسها من حافة القارب محاولةً قياس العمق وإذا بضربةٍ اخرى اقوى من الاولى انفلت النسر من يديها و سقطت خارج القارب في عمق البحر

سكن كل شيء والتف البرد بجسمها من كل جانب أغمضت عينيها مستسلمة لاتريد ان ترى هذا المجهول أخذت تنزل في الاعماق يداها ممدودة ورجلاها ملتفتان واحدة حول الاخرى لقد يئست من المحاولة لكن فجأة ظهر زوجها في مخيلتها قائلاً عشتار.. لاتستسلمي لقد اقتربتي من الوصول ساعديني

تذكرت زوجها الذي كان ملقاً في قعر القارب ففتحت عيناها و إذا بمخلوقٍ مفزع كان واقفا امام وجهها بسكون

أصيبت بفزع شديد ولاشعورياً ارتدت للخلف ضاربتاً اياها برجلها التي اصابت حلقه

أخذت تسبح للاعلى بسرعة لا أصعب من الموت غرقاً في البحر خوفاً

كانت كلما اقتربت من السطح تزيد سرعتها تسبح وتسبح ودموع عيناها الدافئة تمتزج ببرودة الماء فتضفي قشعريرةً حول عينيها مع اختلاط ملوحة الماء بملوحة دمعها فجأةً وإذا بيدٌ أمسكت برجلها تسحبها للاعماق لم ترد النظر لتلك اليد فقط أخذت تعفر في عمق البحر وهي تهز رأسها بالنفي باكية ووجهت رفسةً الى شيءٍ بدا انه رأس افلتتها تلك اليد اخيرا واخذت تعلو سباحة بسرعة فقد اوشك نفسها ان ينقطع وكانت على يقين انه ان امسك بها مرةً اخرى ستكون النهاية

وصلت للسطح أخيراً آخذةً نفساً لم تأخذ مثله في حياتها كانت بقرب حافة القارب الذي كان مستوى الماء قد وصل فيه فوق النصف وخرج ذلك الوحش قرب الحافة الاخرى

كان هذا هو “الدلهاب” فصيلة من الجن تسكن البحر صورته إنسان بدون ملامح فقط وجه اخضر بدون عينين ولا انف له فم كبير واسنانٌ كأسنان قرش جلده كصخر البحر يتعرض للمراكب ويقذف أهلها في البحر

حين رأته يسبح مقترباً اليها فزعة وقفزة ممسكتاً بطرف القارب الى ان استقرت في بطن القارب أخيرا والقت بنفسها جانب نسرها

ياللهول أخيرا عدت للقارب الحمدلله رفعت نسرها بسرعة عن الماء الحمدلله مازال ينبض وجسمه دافئ

احتضنته لصدرها وامسكت بالمجداف وعادت تخرج الماء بسرعة إذ لايوجد وقت للتنفس

كما أن الدلهاب عاد يضرب القارب ايضاً محاولاً رميها مرة اخرى مماساعد في اخراج الماء من القارب سريعاً اخيراً عاد مستوى الماء في القارب تحت الثلث ولكنه مازال يتأرجح

أدركت أنه لولا ثقل الماء الموجود في قعر القارب لكان انقلب بسهولةٍ من اول مرة لقد فهمت الآن فقط لما قام ذلك الجني “الشق” بثقب القارب تذكرته بامتنان لتوها فهمت مقصده من ثقب القارب اذ كانت حانقةٍ عليه من قبل كان يعلم ان الدلهاب سيهاجمها لاشك ألهذا خيرها بين القوارب الثلاثة ياترى، ماذا كان سيحدث لو اختارت أحد القاربين الأحمران هل اللون الأحمر سيجذب جناً آخرين أم هل يصعب خرق القارب ذو اللون الأحمر؟ لا أدري كل ماعرفه انه ساعدني نوعاً ما

استعاد القارب توازنه أخيراً وعم السكون من جديد إلا انها كانت تحس ان الدلهاب لن يستسلم بسهولة وانه لاشك يريد مفاجأتها ليلقيها مرةً اخرى

كانت تترقب بحذرٍ شديد لدرجة انها نسيت ان تبكي لامكان للبكاء هاهنا يجب ان اتشجع لم اصل هنا حتى اكون فريسةً لهذا الجني الاعمى ان كان يريد القتال ساقاتله حتى اخر رمق لن اغلق عيني بعد الآن ولن أيأس إن كنت سأموت فإني سأموت بشرف الدفاع عن زوجي وعائلتي

لكن ترى اين ذهب هل استسلم؟ اتمنى ان يكون قد قطع الأمل من قلب القارب سأحافظ على مستوى الماء فوق الثلث لا أكثر ولا أقل

كان شكها في محله إذ أن الدلهاب قد يأس من محاولة قلب القارب نظراً لصغر حجمه لكنه هذه المرة قفز جالساً القرفصاء على حافة القارب بسكون

“يا إلهي لقد صعد على القارب ماذا علي أن افعل”

نزل الدلهاب على اربع واتجه اليها بسرعة ارجعت يداها للخلف وهوت بالمجداف على رأسه تريد ضربه به الا انه التقمه بفمه وقام بنهش المجداف وتهشيمه

وقفز فوقها حتى سقط النسر تحت قدميها

طوق الدلهاب رقبة عشتار بكلتا يديه وغمر رأسها في قعر القارب يخنقها داخل الماء وهي تنتفض تحته بضعف كان فوق الماء اقوى من تحته اخذت ترفس برجليها كانت تظن انها ترفس الدلهاب ولكنها كانت ترفس النسر ومع الرفس المتواصل انفكت الخرقة التي كانت قد لفت بها جرحه فسالت قطرةٌ من الدم في ماء القارب وفجأةً حدث شيء غريب انتشرت قطرة الدم في ماء القارب سريعاً وماهي الا لحظات واذا بالدلهاب قد افلت رقبة عشتار واخذ ينتفض وهو يصرخ صرخةً مفزعةً حتى تيبس مكانه

اخذت عشتار تلتقط انفاسها باكيةً وهي تنظر لهذا الوحش المرعب وهو متحنطٌ فاتحاً فمه بحزن

رفسته برجلها ملقيتاً به خارج القارب واخذ جسمه يطفو ويتبخر حتى ذاب على سطح البحركالزبد

امسكت زوجها بشدة وهي تبكي بحرقة كالأطفال وخبأت رأسها في صدره

لم تكن هناك كلمات تعبر بها ن امتنانها علاوة على ذلك لم يكن باستطاعته سماعها لكن ماكان منها الا ان رفعت رأسها وشكرت الله

أخيراً بدأ الضباب بالانقشاع تدريجياً وكأن الشمس قد بدت تشرق الى أن اختفى الضباب تماما وتوقف القارب نظرت الى المجداف المهشم والماء الذي كان قد غمر القارب تماماً فحملت النسر فوق رقبتها واخذت تحاول اخراج الماء بكلتا يديها ولكن دون جدوى

الى أن بدأ القارب ينغمر في البحر ولكنها لم تغرق

كانت واقفةً والماء يصل ذقنها

“الحمدلله يبدو انني اقتربت من الشاطئ في الوقت المناسب”

رفعت النسر بكلتا يديها واخذت تمشي شيئاً فشيئاً كان ينخفض مستوى الماء وهي تزيد من سرعتها فرحة

الى ان وصلت لليابسة اخيراً

ارتمت على الارض تقبلها وتحضنها وتحمد الله وتشكره

ظنت انها وصلت لغايتها المنشودة ولكنها حين نظرت حولها متفحصةً المكان لم تجد سوى صحراء شاسعة قاحلة

استجمعت قواها واحتضنت النسر ونهضت تمشي كانت تعرج قليلاً مع ألمٍ في كتفها الأيمن ووجعٍ بظهرها لكن كل هذا لم يثنيها فلقد قطعت الجزء الأصعب كما كانت تظن

كلما أشرقت الشمس أكثر أحست بحرارةٍ أكثر وهي لاتكفأ تمشي وتمشي ولم تكن تكترث بحرارة الشمس لكنها كانت عطشى لم تحس بالعطش إلا حين وجدت نفسها في هذه الصحراء حتى تنسى العطش والتعب اخذت تفكر ببنتيها وما مصيرهما هل عادتا لارض الجن بسلام ام لا ونزلت دمعةٌ من عينيها

في هذه الاثناء كان عيقم ملك قبيلة الجن المعادية لقبيلة جلجامش في قصره جالسٌ على عرشه مجتمعاً بوزراءه حين دخل عليهم طنطل (الجني الذي تشكل بكلب وتعارك مع جلجامش وهو ابن عيقم وهو قائد الجيش)

عيقل: لقد ارسلتك لتأتيني بزوجة جلجامش الإنسية وكانت المهمة جداً سهلة إذ هي خلعت الخاتم الذي يحرسها فماذا حدث

طنطل: كدت أن أظفر بها ولكن تدخل جلجامش وتعاركنا

عيقم: وماذا كانت نتيجة المعركة هل قتلته؟

طنطل: لا ولكني تغلبت عليه وكدت ان اخطف عشتار ولكن حدث ماهو ليس بالحسبان، إن هذه المرأة ساحرة

أجاب أحد الوزراء: لم يسجل اسمها في سجل السحرة قط

طنطل: لا اعلم ماحل بي حين نظرت عينيها اصبت بقشعريرة وخارت جميع قواي حتى خلت اني اموت

ضحك رئيس الوزراء وكان اسمه سامد ذو لحية بيضاء كثيفة وهو من اذكى الجن يتصف بالذكاء والحكمة والمعرفة وقال: انه سحر العشق

عيقم: ماذا!!! هل عشقت تلك الإنسية انت ايضا ان هذا لإفك عظيم

طنطل: لا لم اعشقها ولكن حين نظرت عيناها.. وسكت طنطل قاطباً

عيقم: ماخبر هذه البنت ياسامد؟

سامد: انها مشيئة القدر، سوء اعمالنا ارتد علينا

عيقم: ماتقصد؟

سامد: حدث قبل اربعين سنة قصة في عالم الإنس تخص هذه الفتاة بل بالاصح تخص امها جمال العين كان لأمها ليس لها، حين كانت طفلة لم يولد في زمانهم مثلها وكان لهم جارةٌ ابنتها بها حول وكانت تحسد هذه البنت فقامت بعمل سحر لها وذهبت بنظرها مستعينةً بماردةٍ عظيمة

عيقم: تباً لكيد النساء وحسدهن.. وماذا بعد؟؟

سامد: كبرت هذه الفتاة العمياء وتزوجت ورزقت بعشتار وفي الليلة التي ولدت فيها عشتار ماتت امها، بعد زمن بسيط تابت تلك الماردة وكانت تهم بإعادة بصر ام عشتار فحين وجدتها قضت نحبها احست بالذنب فوضعت سحر عيني الام في ابنتها لكنها ظلت تأنب نفسها فوهبت قوتها في عينين هذه الفتاة فامتزج جمال عيني امها بقوة الماردة في عيني عشتار واصبحت بحسب الظاهر ما ان تلقي بصرها على جني حتى تسلب قلبه وعقله

عيقم: لهذا إذن عشقها جلجامش

سامد: وطنطلٌ ايضا بحسب الظاهر

طنطل: لم اعشقها قلت لك ان قواي قد خارت فقط لسبب لا اعلمه

عيقم: وهل سحر عينيها نافذ على الجن فقط؟

سامد: إن لم يخب ظني فسحرها نافذ على رجال الجن فقط دون النساء

عيقم: لماذا لم تخبرني بهذا من قبل

سامد: كنت أظن ان هذه الفتنة عونٌ لنا وليس علينا لكن في الوقت الذي ذهب طنطل لخطفها كنت في جزيرة السلاحف ابطل سحر الخاتم الذي كان يحرسها ولكني لم استطع ايضا فالخاتم يستمد قوته من قوة جلجامش نفسه ولإبطال سحره لابد من قتل جلجامش، وهو من عشقه لها يفديها بحياته

عيقم: وماذا عن ابنتيها النصف جنيتان هل ورثتا عن امهما سحر عينيها

سامد: لا اعتقد بحسب جواسيسنا في مملكة جلجامش لم يظهر عليهما حتى الآن سوى بعض قوى الجن ولكن هذه القوى مع ضعفها تزداد مع الزمن شيئاً فشيئاً

عيقم: مالعمل الآن وقد اقتربنا من النصر تظهر لنا هذه الفتاة من اللامكان لتسلب قلب وريث عرشي لابد من قتلها

طنطل: إن سمح لي مولاي أن اثبت له اني كفؤ بورث عرشه وآتي له برأسها

عيقم: وهل تأمن على نفسك من سحر عينيها لو رأيتها مرةً اخرى لا أظن

طنطل: إن لم استطع كبح جماح قلبي فلا استحق ان اخلفك في مملكتك انا لست جلجامش لن اعشق إنسية يا أبي اعطني الفرصة لأثبت لك وللجميع ما أقول

عيقم: هل تعي ما أنت مقبل عليه حتى تستطيع قتل هذه الفتاة لابد من قتل جلجامش لتبطل سحر الخاتم ولقتل جلجامش لابد من هزم جيشه

طنطل: لن اعدم الوسيلة فقط اعطني الفرصة

عيقم: لك هذا ولكن حذار إن عشقتها لن احرمك من العرش فقط بل سأنفيك من مملكتي للابد

طنطل: حسنا

خارت جميع قوى عشتار من المشي تحت شمس الصحراء المحرقة وكان الظمأ قد أحرق جوفها لكن وسط هذا الحر الشديد لاحظت أن جرح النسر قد بدأ يلتأم شيئاً فشيئاً وهذا ما اعطاها املاً في الاستمرار الا انها غدت تمشي بمعدل خطوة في الثانية من شدة التعب
توقفت فجأة تنظر يمنةً ويسرة ماتدري عما تبحث فقط لتلتقط انفاسها وحين اعادت نظرها للأمام لاحظت شيئاً من بعيد بدا وكأنه شجرة
“إن كانت توجد شجرة حقاً فلابد من وجود الماء”
وجود خيال شجرةٍ من بعيد اعطاها قليلاً من الأمل فغدت تشد الخطى
” ما أظنها إلا سراباً ولكن ليس لدي أمل غير هذا السراب سأتبعه أما أن أصل للماء أو أن أكون تقدمت لمبتغاي”
كلما كانت تمشي كانت الشجرة تكبر والمسافة بين خطوات رجلاها تكبر وسرعتها تزيد
أخيراً وصلت للشجرة وأخذت تبكي من الفرح من غير دموع حين وجدت بئراً بجانب تلك الشجرة
” الشكر لك يارب أرجو أن يكون به ماء”
اقتربت من البئر وسحبت الحبل المعلق به إلى ان اخرجت دلواً مليئاً بماء عذب
” يالله الشكر لك”
كادت ان تشرب ولكنها تذكرت حبيبها
” لابد انه عطشان مثلي ترى هل يستطيع ان يشرب؟”
قربت الماء من منقاره لكنه لم يشرب فقامت بفتح منقاره قليلاً ولكنه لم يشرب ايضاً فما كان منها إلا ان وضعت قليلاً من الماء لتبل لسانه به عل هذه القطرات تصل جوفه
كررت هذه العملية عدت مرات إلى أن اطمأنت انها ادخلت قليلاً من الماء في جوفه ثم جلست مستندة على الشجرة واخذت تشرب بنهمٍ شديد
كان الماء بارداً جداً لدرجة انها شربت الدلو كاملاً من حلاوته
” الحمدلله ما ألذ هذا الماء، مسكينٌ من مات عطشاناً في حر صحراء”
بعد ان استعادت نشاطها وحيويتها همت بالنهوض لملأ الدلو مرةً اخرى لتحمله معها في مسيرتها وحين كانت تسحبه سمعت صرخةً مفزعة من شدة الفزع سقط الدلو من يدها في البئر
نظرت وراءها باتجاه الصوت لتجد أن الشجرة قد بدأت تتحول لعجوز شمطاء مخيفة ذات شعر طويلٍ جداً كان المنظر جداً مفزع
ارتعدت فرائصها واصيبت برجفةٍ شديدة ولكنها اسرعت لحمل نسرها وانطلقت هاربة
سمعت صوتاً من ورائها وهي تركض
“كيف تجرأين”
“كيف تجرأين”
أخذت تركض وهي ترتعد خوفاً ولكن دون جدوى فقد أحاط بها شعر ابيض يابس كأنه كان يركض معها التف حول رجليها وأسقطها أرضا حتى انفلت النسر من يديها وسحبها ذاك الشعر الى ان اعادها لتلك العجوز
كانت تلك هي “السعلاة” فصيلةٌ من الجن تسكن القفار والصحاري على هيئة امرأة عجوز ذات شعر ابيض طويل يابس وفمٍ دون أسنان فقط نابان طويلان وعينان مخيفتان كعينا أفعى تقتل الانسان خنقا وتأكله
طوقت يداها ورجلاها وبطنها ورقبتها وعشتار ترتجف خوفاً وقد أيقنت أنه لاسبيل للفرار أو القتال هذه المرة
صرخت السعلاة: كيف تجرأين
تشربين من مائي دونما استئذان
تسرقين دلوي
وتهربين دون اعتذار
قد جنيتي على نفسك ايتها الإنسية الحقيرة
ورفعتها عاليا ورطمت بها الارض بشدة
اصيبت عشتار بدوار في رأسها مع ألمٍ شديد ونهضت بصعوبة وهي تترنح
فطوقتها السعلاة مرةً اخرى ورفعتها مقربةً إياها
عشتار وهي ترتعد: أرجوك سامحيني قد كنت عطشى وكدت أموت ولم أعلم أن هذا البئر يخص أحداً
السعلاة: ستموتين الآن ولكن علي أن اتأكد ان موتك سيكون مصحوباً بألمٍ شديد هذا جزاء من يتجرأ على مائي
عشتار: الرحمة أرجوك لم أكن أعلم أن هذا ماؤك سامحيني أرجوك أنا آسفة
السعلاة: لااااااا
لاينفع الندم الآن ستدفعين حياتك ثمناً لحماقتك وجرأتك
وأخذت تخنقها
السعلاة: إن كان مائي قد روى عطشك فجسمك النحيل سيسكن جوعي
واخذتها تخنقها بشدة حتى كادت عشتار ان تموت
عشتار: أرجوك اتركيني أعيش أنا أمٌ لطفلتان ولدي زوجٌ مريض
ضحكت السعلاة ضحكاً شديداً وقالت: هل تظنين أني سأرثي لحالك .. يالك من غبية
عشتار: أرجوك ان كان هناك ما استطيع عمله للتكفير عن خطأي فأنا مستعدة ولكن لاتقتليني أرجوك
السعلاة: ليس لديك شيء يمكن أن استفيد منه سوى ان تكوني وجبة غدائي هه
عشتار: سأطعمك إن تركتيني أعيش متى ماحضرتي لعالم الإنس سأعطيك كل مالذ وطاب كل يوم سأكون لك خادمة
السعلاة: لا أريد طعامك أو خدمتك لكن إن كنت تريدين الحياة سأتركك تعيشين بشرط واحد
أنزلتها على الأرض أخيراً
أخذت عشتار تلتقط أنفاسها واضعةً يديها على حلقها من الألم وأحست بقليل من الأمل
عشتار: أشكرك أيتها المرأة الطيبة سمي شرطك وسأنفذه مهما كلفني الأمر
السعلاة: هل انت متأكدة؟؟
عشتار: نعم بالطبع سمي ماشئت فقط اتركيني اعيش
السعلاة: لا أظن أنك ستوافقين على شرطي من الافضل ان آكلك
عشتار: لا لا أرجوك لقد وافقت على شرطك قبل ان اسمعه فقط سمي ماشئت
السعلاة: هل هذا وعد؟؟
عشتار: نعم أعدك أن أنفذ ماتطلبيني أرجوك أخبريني بشرطك
السعلاة: حسناً مادمتي قد قطعتي وعداً سأعلمك بطلبي ومبتغاي لكن أحذرك إن اخلفتي بهذا الوعد لن يستطيع أحدٌ من الإنس أوالجن مساعدتك سنلتزم بالاتفاق نحن الاثنتان ولن تتجرأ إحدانا على النكث به
احتارت عشتار ولكن بحسب الظاهر لايوجد لديها خيارٌ آخر عدا الموافقة فأي شيء سوى الموت
عشتار: حسناً أعدك
السعلاة: جميل جداً
طلبي وشرطي ومبتغاي أن أشاركك في زوجك
انصعقت عشتار من طلب هذه الجنية
إلا أن السعلاة اردفت: في كل شهر عند اكتمال القمر اتلبسك واشاركك زوجك ليلةً واحدةً فقط
انتم معشر نساء البشر دائماً تقولون أن الموت أهون لديكن من أن تتشاركين زوجك مع أحدهم فهل تفضلين المشاركة أو الموت الآن قرري وتذكري أنك وافقت وعاهدتيني ولن يستطيع أحدٌ من الإنس أو الجن التدخل في هذا الاتفاق ومساعدتك .. ماتقولين؟؟
اخذت عشتار تفكر بحرقة واخذت تحدث نفسها
” لا أريد أن يشاركني أحدٌ في زوجي ويستحيل أن أشارك هذه الجنية الشمطاء ولكن مالعمل ليس هناك حيلة أما أن أوافق أو أموت”
ونزلت دمعةُ حرقةٍ من عينيها ما إنه لابتزازٌ صعب
السعلاة: تبا لك أيتها الإنسية هل توافقي أو تموتي هيا بسرعة
حين سمعت عشتار هذه الكلمات لمعت فكرةٌ في عقلها إن نجحت ستكون قد نجت بحياتها وتخلصت من هذه العجوز للأبد
عشتار: حسناً.. أوافق على أن أشاركك في زوجي ” الإنسي” للأبد مرةً في كل شهر تتلبسيني وهذا بيني وبينك لن يعلم أحدٌ به
ولايحق لإحدانا الإخلال بهذا الشرط
السعلاة بفرح شديد: كرري ماقلتي ثلاث مرات
كررت عشتار ماقالت ثلاث مرات ونظرت للسعلاة التي كانت فرحةً جداً بانتصارها
السعلاة: حسناً لقد تم الأمر، لقد شاركتك في زوجك الإنسي للأبد اذهبي الآن وحين اكتمال القمر من كل شهر سأجدك أينما كنت
عشتار: حسناً ياشريكتي الوداع الآن لكن هل يمكنني استعارة قليلاً من الماء لأروي عطشي
السعلاة: خذي هذه القارورة ستعينك في سفرك
عشتار: أشكرك
السعلاة: اغربي عن وجهي الآن وتذكري موعدنا عند اكتمال القمر اتلبسك واشاركك في زوجك
مشت عشتار وهي تهم الخطا بسرور ونصف ابتسامة ونشوة انتصار، لم يخطر ببالها أن تخدع جني من قبل وصلت للنسر وحملته على عنقها واكملت مسيرها حتى ابتعدت واختفت عن السعلاة
في هذه الأثناء دخل كبير الوزراء سامد على الملك عيقم الذي كان جالساً وحده بعد الاجتماع
عيقم: مايشغل بالك؟
سامد: مايشغل بالك
عيقم: هل تعتقد أنه يستطيع مجابهة تلك العينين مرةً أخرى؟
سامد: عندي اقتراح إن سمح لي مولاي
عيقم: تفضل ياصديقي
سامد: إنه ابنك وولي عهدك وقائد جيشك اعتقد أنه من المخاطرة وضعه في اختبار كهذا
عيقم: أنت تعرف طنطل عنيد جداً ولن يتنازل عن مطلبه سيقحم نفسه في اختبارٍ هو مهلكه
سامد: لهذا جئتك يامولاي. ماذا لو جعلنا إحدى الجنيات تتشكل على صورة عشتار ونجعله يقتلها بهذا نكون قد عززنا ثقته بنفسه وأنه أثبت كفاءته والأهم من ذلك نوهمه أنه تغلب على عشقها ونحن بدورنا نقوم بقتل عشتار
عيقم: كيف ستقتلها والخاتم
سامد: في الوقت الذي سنشن في هجمتنا سأضع جائزةً لمن يأتيني برأسها له نصف ما أملك وسأرسل لها أكثر من جني لتحتد المنافسة فحين تخور قوى جلجامش في المعركة عندها نعطيهم الإشارة بالهجوم على عشتار وقتلها وبهذا نقوم بتشيت قوة جلجامش واضعافه أكثر ليتسنى لنا التغلب عليه بسهولة، يقتلوها دون أن ينظروا في عينيها و علينا أن نعد العدة لهذه المعركة يجب أن تكون قاضية
عيقم: يالك من صديق وفي أتهب نصف ثروتك فداء لي
سامد: أهب حياتي فداء لك مولاي
عيقم: لكن ماذا لو فشلت الخطة سيكون تأثيرها سلبي على طنطل لاشك، أعني فيما لو قام طنطل بقتل عشتار المزيفة وفشلت خطتك في قتل عشتار الحقيقية واكتشف طنطل أنها ماتزال على قيد الحياة
سامد: لاضير في ذلك، إذ أنه يعتقدها ساحرة
عيقم: الحق ماتقول
بعد عناءٍ طويل في حر الصحراء وصلت عشتار أخيراً لوادٍ به عدة شجيرات لكن لايوجد ماء هنا إذ كانت الأشجار يابسة وسكونٌ غريب يحف بالوادي
أخذت تمشي بحذرٍ وخوفٍ وترقب المجهول إذ أنها أيقنت أنه لابد من وجود تحدٍ جديد هذه المرة
أخذت تبكي من الخوف وتقول” متى سأصل أرض الجن المزعومة لقد خارت قواي وعقلي لم يعد بإمكانه الصمود أمام جنيٍ آخر
ياترى هل أنا على الطريق الصحيح وهل توجد أرضٌ للجن أصلاً”
فجأة سمعت صوت رفرفةٍ تبعه صوتٌ يستنجد
“ساعدوني النجدة أنقذوني من هذا الشرير”
أخذت تبحث عن الصوت ولكن لم تجد شيئاً
هذا ماكان ينقصها إنقاذ أحدٍ ما
هي نفسها تحتاج من ينقذها
ظنت انها تهيآت أو قد تكون خدعةً ما فأخذت تشد الخطى إلى أصبح الصوت أقوى من ذي قبل
“اتركني ايها المتوحش”
نظرت تحت شجرةٍ قريبة وكانت المفاجأة
وطواطٌ صغير يعض على جناح فراشةٍ وهي تستغيث
كادت عشتار ان تهرب عنهم بعيداً لكنها أشفقت على الفراشة وتذكرت ماحل بها
” إن هذه الفراشة تمر بنفس مامررت به مذ دخلت هذه الأرض المرعبة لابد أن أنقذها من براثن هذا الوطواط الشرير”
فحملت حجراً صغيراً وألقته بجانب الوطواط محاولةً إخافته
“اتركها ايها الشرير”
بسرعة ترك الوطواط الفراشة التي ولت هاربةً بسرعة أما الوطواط كان فقد اعتلى الشجرة بسرعة واختبأ وراء غصن صغير مخبأً رأسه فقط أما جسمه فكان واضحاً جلياً
وقفت عشتار أمام هذا المشهد لاتدري ماتفعل
ثم همت بالانصراف
ما إن مشت قليلاً حتى سمعت الوطواط يناديها
“هاي أنت”
التفتت له مرةً أخرى فخبأ رأسه بسرعة
قالت عشتار بحذر: ماذا تريد؟
نظر إليها الوطواط باستغراب هذه المرة وقال: هل تستطين رؤيتي
عشتار بقلق: نعم
الوطواط باستغراب: وتسطيعين سماعي أيضاً إن هذا لعجب عجاب
أحست عشتار بالطمأنينة لسبب ما بدا أن هذا الوطواط به ظرافة استشعرتها من صوته المضحك
اقتربت عشتار قليلاً وقالت: وفيم العجب ايها الجني الصغير
الوطواط: إن كان بإمكانك رؤيتي وسماع صوتي فأنت لست بجنية
عشتار: أنا من بني البشر
الوطواط: البشر!!
يعني انت من الإنس وليس من الجن وماذا تفعلين هنا
عشتار: إنها قصة طويلة أيها الجني الصغير
الوطواط: أنا لست صغيراً ولست جنياً أيضاً
أنا استطيع إخافة أكبر جني في الدنيا
ضحكت عشتار
الوطواط: ألا تصدقينني أنتم بنو البشر تستخفون بكل ماهو أصغر منكم وتخافون من كل ماهو أكبر منكم
عشتار: آسفة أيها الوطواط الجميل ولكني لم اضحك منذ زمن
الوطواط: أنا لست جميلاً أنا أكره الجمال
عشتار: ما أنت إذاً لقد أثرت فضولي
الوطواط: أنا كابوس جني مخولٌ بإيحاء الأحلام المزعجة والمخيفة في نفوس الجن وهم نيام وتلك الفراشة هي الحلم الجميل لقد كنا نتنافس حتى نصل لجنيٍ نائم لكنك أفزعتني وجعلتي الفراشة تهرب وتظفر بذلك الجني سحقاً
عشتار: وهل تحلم الجن؟
الوطواط: بوجودنا نعم نحن نبث الأحلام في عقولهم النائمة نتغذى على حزنهم وفزعهم ودموعهم والفراش يتغذى على فرحهم وسعادتهم وضحكهم
عشتار: ياللعجب
الوطواط: العجب إني لأول مرة أعرف أن بإمكان بنو البشر رؤيتنا فالجن لايستطيعون رؤيتنا
الأحلام لاترى بل تُحس حتى أنتم بنو البشر حين تنامون تحسون بالأحلام لكن لاتستطيعون رؤيتها
قالت عشتار بمكر: ولكني حين أنام أشاهد أحلامي
الوطواط: كيف تشاهدينها وعيناك مغلقةٌ أيتها الماكرة
ضحكت عشتار وقالت: أنت ظريف جداً ما رأيك أن تصحبني
الوطواط: لا استطيع فأنا جائع سأبحث لي عن جني أفزعه بكابوسٍ حتى أشبع
عشتار: ماذا لو بكيت أمامك أو أُصبت بحزن هل تشبع؟
الوطواط: امممم لم اتغذى على حزنٍ إنسي من قبل لكن لاضير من التجربة فأنت جميلةٌ جداً وكلما زاد الجمال كان حزنه ألذ وأفضل
عشتار: هههههه أنت ظريف جداً أرجوك اصحبني وسأشبعك حزناً فقصتي قادرةٌ لاشك على إشباع كابوس جني
الوطواط: حسناً ولكن بشرط
عشتار: ماهو؟
الوطواط: أن تسميني الكابوس المرعب العظيم
عشتار: هههههه لا سأدعوك كابوس فقط مارأيك
الوطواط: حسناً


إتصل بنا